ما وترني اليوم هو حلم كنت أتمناه في الماضي يوما ما وتحققهل الإدراك نعمة أم نقمه؟
الحنين الى الملل.
زحمة يا دنيا زحمة!
هذه الجمل الثلاث كانت مقترحة كعناوين لمقال الشهر. شهر أكتوبر شهر حافل في المملكة وفي الرياض خصوصاً، فيه موسم الرياض، وما أدراك ما موسم الرياض؟! أسبوع الرياض للموضة، ومؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار، وهذا غيض من فيض من الأحداث والمناسبات والزوار واللقاءات والمعارض على هامش تلك المناسبات. ومن بعده مباشرة مهرجان نور الرياض ومناسبات نوفمبر، وتستمرّ هذه الفعاليات حتى نهاية العام.
ومثله كان سبتمبر وأحداثه ونهاية الصيف وتبعاته والعودة إلى المدارس والأعمال، أضف إلى ذلك المناسبات العائلية و المفاجآت المتداخلة والأفراح و الأتراح و المنغّصات الصغيرة مع كثرتها و المسليّات السعيدة بفرحها. ومن ثم التزاماتنا بالعمل والعائلة والمشاريع المؤجّلة والحفاظ على الصحة مع مواعيد الأكل والنادي ورؤية صديق أو قريب جاء ليوم واحد فقط لإنجاز عمل في الرياض ونريد أن نراه، والأعمال والمواعيد الطبيّة المؤجلة والمتابعة، والمشروع المستعجل ومجلس الإدارة المهم الذي تمّ تقديم موعده ... و هكذا حتى تكتشف أنّ الرحلة التي حجزتها منذ شهرين قد آن أوانها الأسبوع القادم، وأنت لم تجهز لها، وإلغائها غير ممكن أو مبلغها غير مسترجع ومشروع كان مفترض إنهائه أو مقال يجب تسليمه أو غير ذلك من الأمور الحياتية المؤجلة فجأة باغتتك و أنت عنها منشغل... عندئذ تنظر وتكتشف كيف مرّ هذا الوقت ولم تجد ساعه لإنجاز هذا الشيء البسيط، أو مكالمة لأخذ موعد طبيب أو زيارة قريب أو أيّ كان. والأدهى أن تحاول أن تستذكر ما الذي أشغلك عن ذلك، ولا تستطيع أن تذكر! نسيان الشيء المؤسف جيّد، أمّا نسيان الافراح والجميل هو الأمر المحزن فعلاً.
رأيت صديق قبل أسبوع من اليوم وكنت نسيت أنّني رأيته في شهر مايو حيث قضينا ليلة عشاء سعيدة جداً. حزنت كثيراً لنسيانها، لأنّي في حينها كنت سعيداً جداً، كانت من أجمل ليالي العام على بساطتها وهدوئها. فكّرت كم من الأفراح قد نسيت ونحن في زحمة الحياة، كم من الأفكار والخطط أصبحت في مستودع العقل لم تظهر لأنّ المملّ لم يأت فيطفو إلى الذهن هذا المشروع أو هذا الحل، أو هذه الخطة لتفكيك مشكلة؟ كم من الأشخاص نسينا وكم من الجمال ذهب من خيالنا وكم من حسنة لم ترى ومن مقولة لم تسجّل.
نعيش في عالم مزدحم، ومزدحم بطبقات متداخلة، لا تدع لنا فرصة للتنفس والهدوء للاستيعاب والملل. هو عالم جميل جداً ونحمد الله على كلّ ما ذكرت أعلاه حمداً كثيراً يليق بعزّته وجلاله. ولكن هذا الازدحام ينسينا أيضاً بعض والأفراح والفضائل والابتسامات، وهذا كفر بالنعم. ليس لي مغزى من هذا المقال إلاّ تفريغ شحنات التوتّر والعجلة التي أمرّ بها اليوم والتي نتجت عن خبر سعيد سأشارككم فيه قريباً إن تمّ، ولأذكّر نفسي أنّ ما وتّرني اليوم هو حلم كنت أتمناه في الماضي يوماً ما وتحقق وأصبح عملاً روتينياً. وهذا يجب أن يبقى في مداركي لعدم نسيان النجاح مع اختلاطه بالفشل. وما أكثر الاثنان معاً في حياتي، وكلاهما نعم تستحقّ الثناء.
Comments