من يملك حقّ الفنّ؟
هَلْ غَادَرَ الشّعَرَاءُ مِنْ مُتَرَدَّمِ ... أَمْ هَلْ عَرَفْتَ الدّارَ بَعْدَ تَوَهُّمِ
يَا دَارَ عَبْلَةَ بِالْجِوَاءِ تَكَلَّمِي ... وَعِمِي صَبَاحًا دَارَ عَبْلَةَ وَاسْلَمِ
عنترة بن شداد العبسي (525م-806م)
لسبب ما في العامين الماضيين يحضر هذا البيت إلى مخيّلتي كلّما آن أوان المقال الشهري، أودّ أن أبدأ به، ولكن في كلّ مرّة لا يناسب هذا البيت موضوع المقال أو العدد. ولأنّني كعادتي تأخّرت في كتابه المقال آملاً أنّ الفكرة ستنضج في عقلي غداً، أو بعد غد، أو اليوم صباحاً أو ربّما مساءً... في كلّ مرّة أجد نفسي قد تأخّرت في تسليم المقال.
في هذه المرّة، وحيث أنّ موضوع العدد هو الفنّ، قرّرت أن يكون مطلع قصيدة أو معلقة عنترة هي البداية، ومن ثمّ أرى كيف يجري سير الحديث. ولحسن الحظ وجدت الزاوية المناسبة لتوظيف البيت في المقالة أخيراً وإخراجه من عقلي الباطن الذي في كلّ شهر ينضح بمطلع هذه القصيدة.
يشرح الشاعر في مطلع القصيدة نفس الحيرة التي مررت فيها للكتابة عن الفنّ. هل هناك شيء أو زاوية لم يتطرّق إليها الكتاب في مجال الفنّ؟ كما وصف الشاعر حيرته في أن يتكلّم في هيام محبوبته قبل أكثر من 1500 عام، حيرته في ماذا يضيف أو يقول والشعراء قد قالوا كلّ شيء من قبله؟
في الواقع هذا سؤال منطقي، ولكن أعتقد أنّ الجواب مربك نوعاً ما. من وجه نظري، قد تكون المواضيع مكرّرة، ولكن الأشخاص وتجاربهم ووجهات نظرهم تختلف، وهنا يكمن التجديد. ولتأكيد ذلك، لم يتوقّف الشعراء عن نظم القصائد حتّى الآن! وعليه سنتكلّم عن الفنّ من هذا المنطلق.
للوهلة الأولى عندما يقال فنّ، يأتي إلينا )أو ربّما أنا فقط( فنّ الرسم، ولكن للفنّ أوجه ومجالات كثيرة، فلو قلنا الفنّان أو الفنّانة، قد نقصد الفنّ التشكيلي، أو التعبيري، أو الأدائي، أو الشعر والأدب، أو النحت، واللاعب الرياضي الموهوب يطلق عليه دارجاً فنّان، والمغنّي فنّان، والممثّل فنّان، والراقص كذلك والموسيقار والمعماري المبدع فنّان، وأيّ موهوب في شيء هو فعلاً فنّان.
لو وسّعنا دائرة تعريف الفنّ توسّعت مداركنا للإبداع والجمال. قد يقول البعض إنّ التعريف الحقيقي للفنّ لا ينطبق على ما ذكرت أعلاه. قد لا أختلف في ذلك عندما نتكلّم عن عالم الفنّ كصناعه وتجارة، فمن غير المنطقي مقارنة بيكاسو بشخص يمارس الرسم كهواية. ولكن، إذا كان رسمه يعجبه أو يعجب الآخرين، فهو فنّان حتّى وإن لم يصل إلى عمق أو خبرة الفنان الممارس المتمرّس، ولا يقلّل ذلك من قدره. فالفنّ إذا كان جيّداً فرض نفسه وإن لم يكن بالمستوى المطلوب فلا بأس في ذلك مادام الشخص صادقاً مع نفسه ومشاعره، حيث إنّ من يمارس أيّ نوع من الفنون عادةً ما تكون هذه طاقة إبداعية تتطلّب الخروج من الروح والجسد بالإصرار والتكرار، مثل البيت في أوّل المقال. أمّا إن كانت تستحقّ أن تعلّق على جدار اللوفر بجانب الموناليزا، فهذا نقاش للمختصين وليس المضمون.
لدينا مثل في المملكة يقال للدعابة لأي شخص يحبّ أو يعشق أشخاص كثر، يقصد فيه عدم صدق الحب وجديّته. يقول المثل )القلب دكّان وكلٌّ له مكان!(، وأنا أقول لنجعل الفنّ دكان ولكلٍّ فيه مكان.
Comments