سنغوص في هذا العدد في فكرة غير مكرّرة للتعبير عن حبّ الوطن. لن نتكلّم عن شيء، أو بالأصحّ سنتكلّم عن اللا شيء، في الواقع كلاهما صحيح، كيف؟ حقيقة الأمر أنّني لا أعرف، ولكن أردت أن أطرح هذا التساؤل عليكم لنستخرج اسم للمعنى والمضمون المذكور في هذا المقال. بالطبع، لديّ فكرة أوّد طرحها في هذا العدد احتفالاً باليوم الوطني السعودي الرابع والتسعين، ولكن لم أجد الزاوية الصحيحة لطرحها أو النظر اليها. لذلك تصالحت مع مبدأ ألاّ أعرف وأخذته كمحور ومضمون للبحث.
في الأوّل من محرم وكالعادة في كلّ سنه تتمّ مراسم تغيير كسوة الكعبة الشريفة للعام الهجري الجديد. ولكن حصل شيئان جديدان لفتا انتباهي وكنت أودّ أن يكونا محور للمقال، لكن لم أعرف كيف أوظّفهما في وضع فكرة غير مكرّرة للتعبير عن حبّ الوطن... الشيء الأوّل هو مشاركة المرأة السعودية للمرّة الأولى في هذه المراسم، أمّا الشيء الثاني هو أنّ علامة الأزياء السعودية لومار هي من قام بتصميم زيّ العاملين والقائمين على هذه المراسم. وقد أحببت هذه الفكرة جداً، وأبهرني تناغم مؤسسات الدولة بجميع أنواعها وتوجهاتها في عملية التطوير والارتقاء بالصناعة السعودية من كسوة الكعبة الشريفة و"كاسين" الكعبة الشريفة إذا كانت هذه الكلمة صحيحة، أبهرني قوّة نفاذ الرؤية والإيمان بها من كافة أطياف ومؤسسات الوطن. إنّها فعلاً علامة على أنّ "القائد" ليس من يأمر الناس بعمل شيء، ولكنّه الذي يلهم الناس لعمل أشياء من تلقاء أنفسهم لتحقيق رؤية آمن بها الجميع وأصبحت شيء عادي، أو روتين لا يلفت الانتباه أو، لا شيء.
اللا شيء قد يفهم أنّه عديم القيمة، ولكن أودّ أن أسلّط الضوء عليه من وجهة نظر أخرى، ومن قطاع مختلف، وبالمثال يفهم المقال. قد لا يختلف كثيرون في أنّ مسلسل ساينفلد في التسعينات هو أنجح مسلسل كوميدي في تاريخ التليفزيون. أينما ذكر المسلسل يذكر عنه أنّه المسلسل الذي يحكي عن لا شيء، أو بالإنجليزية it’s a show about nothing ومع ذلك استمرّ عشر سنوات تقريباً وحصد العديد من الجوائز وأصبح جميع الممثلين نجوم بأعلى الأجور، والسبب الرئيسي في ذلك هو استغلال الجانب المنسي أو الغير ملفت في الحياة اليومية الرتيبة الروتينية، وهنا يكون الذكاء! جعل المستحيل عادي.
عندما كنت طفلاً، لم يكن لليوم الوطني أيّ أهمية. تغيّرت الرؤية وتغيّرت معها النظرة، في الأعوام السابقة كنا نتكلّم بحماس عمّ سيحصل في المشاريع الكبرى ومستقبل المملكة وممّا لا شكّ فيه أنّه في عام ٢٠٣٠ سنتكلّم بفخر عن إنجازات الرؤية ومستقبل المملكة ما بعدها. ولكننا الآن نعيش وسط التغيير وتحقيق الأهداف وقد أصبحت جزء عادي من حياتنا اليوم قد نغفل عنه ونعتبره لا شيء، وهنا مربط الفرس، أودّ أن نستوعب ونعطي هذه المرحلة الاهتمام الذي تستحقّه فهي مهمّة جداً في تثبيت الإنجاز الماضي وتحقيق الإنجاز المستقبلي. إنّها مثل الساعة الوسطى في رحلة جويّة ليست إقلاع أو هبوط، إنّها مرحة الاسترخاء والتأمّل وشكر النعم.
فنشكر الله أن منّ علينا بالأمن والأمان في بلاد الحرمين وأن منّ علينا بالقيادة الحكيمة التي جعلت عملنا لتحقيق هدف أمّتنا وكأنّه روتين يومي عادي. وأخيراً كوني أكتب هذا المقال في هذه المجلة الدليل القاطع على تضامني والقائمين عليها للاحتفال باليوم الوطني وتحقيق الرؤية، حتّى وإن لم أدرك ذلك شخصياً للوهلة الأولى. وكل عام وأنتم ووطني بألف خير!
留言