top of page

أفكار عن تطور العمارة السعودية مع عبد الله الخريّف

الكاتب والمصمم الداخلي عبدالله الخريّف يدلي بأفكاره ويشاركنا رؤيته لتطوّر جمالية التصميم السعودي



تنطوي الحياة على الكثير من المفاجآت والأحداث غير المتوقعة. فحين انطلقت مسيرة التغيير في المملكة، لم يكن الاهتمام بالتصميم الداخلي على رأس الاهتمامات، أما راهناً، ومع النمو الكبير الذي يشهده قطاع السياحة في السعودية (الأكثر سرعة على مستوى مجموعة العشرين)، بدأ مشهد المطاعم والفنادق يزدهر في كل أنحائها. وتنتمي بعض هذه الصروح إلى مجموعات عالمية فيما يشكل بعضها الآخر جزءاً من مشهد الضيافة ذي الطابع المحلي. ومع انضمام الشباب إلى جموع القوى العاملة، بات من المهم أن تناسب المساكن الجديدة نمط حياتهم، أي أن تكون صغيرة المساحة وحديثة. لكن هل بدأت جمالية التصميم الداخلي السعودي تثبت حضورها حقاً؟


حين نتحدث عن تصميم داخلي يحمل هوية بلد ما، علينا توخي الحذر والانتباه إلى ضرورة الابتعاد عن التقليد. فنحن نحتاج إلى اختيار ما يناسبنا، إلى بناء هويتنا الخاصة، كما إلى اعتماد قواعدنا التي تجعل مهمتنا أكثر سهولة. ففي حال أردت ابتكار تصميم ما، لا بدّ من أن يبرز فيه العنصر السعودي بشكل تلقائي. في الحقيقة، تظهر هويتنا السعودية في تفاصيل حياتنا اليومية، من ملابسنا، إلى طعامنا وغير ذلك. لذا قد نشعر أحياناً بالملل إزاء جمالية تراثنا، وهو ما نعبر عنه تحديداً كلما أردنا تنفيذ مشروع ما لا يتطلب التمسك بالهوية.


في عالم التصميم، لكلّ تفصيل غاية، من الملابس إلى طريقة الجلوس. ومن المهم التنبّه إلى ذلك حين يتعلق الأمر بالتصميم السعودي. فوظيفة المقاعد والكراسي ليست واحدة في الرياض وفي شقة أو مطعم في لندن. ومن غير الصائب أن يتم استيراد جدران الطوب مثلاً، فهي ربما تناسب بروكلين لا أبنية الرياض. ففي بروكلين ترتبط تلك الجدران بتاريخ تجديد المدينة وعقاراتها متعددة الاستخدامات. يبدو الأمر هنا منطقياً وطبيعياً.


وإذا أردنا الحديث عن الطبيعة، فلنذكر كمثال حفلات العشاء التي تقام في العاصمة السعودية. فخلالها لا يفكر الكثيرون في الجلوس، والسبب أن العشاء يُنظم على شكل بوفيه تُتبع فيه قواعد مثل "كن أكثر مرحاً" و"اصطحب صديقك". ويرتبط هذا إلى حد بعيد بثقافة كرم الضيافة عندنا، وهو ما ينعكس بشكل كبير على طريقة ترتيب المساحات واختيار الأثاث. ولا بدّ من أن نشير أيضاً إلى تأثير التغيير الذي طرأ على ساعات العمل، حيث بات الكثيرون يصلون إلى أماكن عملهم عند الـ9 صباحاً ويغادرون في الـ5 مساءً. لذا بات الجلوس إلى المائدة العائلية يقتصر تقريباً على أيام عطلة نهاية الأسبوع. وفي هذا السياق، تطورت التصاميم الداخلية لتناسب نمط الحياة هذا، إلا أنها حافظت على العناصر التقليدية، مثل البخور، العود، وطقوس تقديم القهوة التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من عالم الضيافة السعودية. لكن كيف يمكننا دمج كل هذا مع أساليب المنزل، المكتب أو المطعم الحديث؟



شارع فيا الرياض هو مثال على العمارة المستوحاة من السلماني في جمالية حديثة


في الواقع، أول ما يجب مراعاته في هذا الإطار هو ضرورة تجاهل الصيحات. ففي هذه الحالة تمسّك بالصدق مع الذات، والأهم من ذلك، لا تعتمد في خياراتك على إنستغرام. ستفاجأ حقاً إذا علمت أن الكثير من الصور التي يتم نشرها غير حقيقية وأنه لا يمكنك تطبيق مضمونها على عالمك الواقعي. وفي السياق عينه نشير إلى أن صورة منطقة الخليج ترتبط إلى حد كبير في أذهان الكثيرين بالذهب والرخام. قد لا يبدو هذا واقعياً، ورغم هذا فلنحافظ قليلاً على هذه الصورة، لأن الرخام يناسب طقس المنطقة فيما يُعتبر الذهب من كلاسيكيات الحياة عندنا. ما رأيك؟

وثمة مثال واضح على الأسلوب السعودي، ونعني بهذا العمارة السلمانية التي أطلق عليها هذا الاسم نسبة إلى الملك سلمان. وانطلق هذا الأسلوب من حبه للتاريخ واطلاعه على فصوله، وظهر في عهده كما يظهر راهناً في زمن التحول الكبير الذي تشهده المملكة. وهو ما يُعدّ أمراً مهماً بالنسبة إلى الأجيال المقبلة.

وفي ما يتعلق برؤيتنا للتصميم السعودي كأفراد، قد لا تبدو كتابة عمود عن اكتشاف التصميم الداخلي الخاص بنا الخيار الأمثل. فمن الأفضل عدم الإفراط في التفكير في هذا الشأن وترك الأمور تتطور بشكل طبيعي. فلا يمكن القول إنه تم "اختراع" العمارة الإسلامية، لأنها تطورت فقط وتأقلمت مع المعطيات المحيطة بها، فيما لم يظهر الأسلوب الخاص بها إلا بعد مئات السنين. لذا نشعر بالفضول الشديد ونريد أن نعرف الاتجاه الذي سيسلكه التصميم السعودي الحديث.


 



bottom of page