شهريار: اسمك إذاً شهرزاد؟
شهرزاد: جاريتك يا مولاي
شهريار: إنّك تجيدين الحديث يا عروسي الحسناء
شهرزاد: إنّه وحي حضرتك يا مولاي
شهريار: واطرباه، منطق وجمال ..... ممممم أتعلمين إنك سترحلين غداً؟
شهرزاد: أعلم يا مولاي، ولكن ساعة واحدة الى جانبك، هي الحياة!
شهريار: ألا يأخذك الخوف يا شهرزاد؟
شهرزاد: لا ينجي الخوف من القدر! وسأموت في اليوم الذي حددته السماء، إنّما هي أنفاس معدودة في أوقات محدودة، وكلنا هالك وابن هالك.
شهريار: ما أشهى حديثك يا شهرزاد
شهرزاد: مولاي
شهريار: لقد استطعت طوال تلك الليالي أن تجرّيني وراء حديثك ليلة بعد ليلة، و لابد أن أقف على لغزك في هذه الليلة !
شهرزاد: هههههه لغزي؟
شهريار: قلت لا تلجئي إلى سلاح حواء!
شهرزاد: وجعلت منّي لغزاً يا مولاي؟
شهريار: وأي لغز يا شهرزاد؟!
شهرزاد: لغز أنا؟ هههههه
شهريار: شهرزاد .... ألا ترثين لحالي؟ ألا تجيبين سؤالي؟ ماذا وراء تلك الليالي؟
شهرزاد: ما عاد حبّك وهواك أن يكون لي غرض غير رضاك
شهريار: تكذبين! تكذبين! أنت تكذبين يا شهرزاد
شهرزاد: ها؟! وتظنّ ذلك يا مولاي؟
شهريار: أيمكن أن يكون حديثك مجرّد كلام، وشوارد أوهام؟ أيمكن أن تجد الحياة وأنت تعبثين؟ أم ماذا تصنعين؟
شهرزاد: هوّن عليك يا مولاي ...
شهريار: بل لا بدّ أن أقطع الشك باليقين! ... حدّثيني
شهرزاد: ها؟
شهريار: ماذا وراء هذه الأساطير التي تروين؟ وما قصة تلك القصص التي تحكين؟ أيكون ذلك مجرد إلهاء بالخيال؟ أم هو رموز وأمثال؟ وإشارة إلى ما لا يقال بما يمكن أن يقال؟
شهرزاد: هههههه أنا يا مولاي، كالطائر الغريد، لا يسأل عن التغريد!
شهريار: ولكنّي أريد!
شهرزاد: فماذا تريد؟
شهريار: أريد أن أضع حدّاً لهذه المأساة
شهرزاد: أو المسلاة؟!
شهريار: لا بد أن تريحيني، أو أريحك من الحياة!
شهرزاد: الأمر إليك يا مولاه ....... ولكن ..... ماهي الحياة؟
شهريار: أنفاس محدودة في أوقات محدودة!
شهرزاد: كلا يا مولاي السلطان! ليست الحياة هي الزمان! وإلا فما الفرق بين الإنسان والحيوان؟! الحياة هي العمل! ولا شيء غير العمل! لأنّه طريق الأمل، ولا شيء يبقى غير الأعمال، ولهذا، يتفاضل بها الرجال.
مصداق ذلك يا مولاي، ما جرى في سالف العصور، للشيخ منصور، الذي ضرب المثل بالعلم والعمل، وعاش حتى وصل، كلّ هذا حصل، وظهر في صندوق العجب، فانكشف العجب! وذهب.
شهريار: صندوق العجب؟!
شهرزاد: ذو القفل الذهب! ..... ولأنّهم يطلون منه على تصاريف الدنيا، سموه أحيانا، صندوق الدنيا.
شهريار: وكيف كان ذلك بالله يا شهرزاد؟
شهرزاد: كان ذلك يا مولاي في مدينه جور، ذات البساتين والقصور والمعابد و الـ.... ولكن ...مممممم
شهريار: ماذا؟
شهرزاد: هذه هي القصة، ولكن للقصة قصة! فهل أروي لك القصة؟ أو أروي لك قصة القصة؟
شهريار: هههههه أمنت بسحرك يا شهرزاد
شهرزاد: هههه بعض هذا يا مولاي؟
شهريار: هاتي القصة! أو هاتي قصة القصة! أو ما شاء لك القول أن تقولي يا شهرزاد.
شهرزاد: حباً وكرامة
شهرزاد: فيما غبر من السنين وفي أعماق بلاد الصين، وصين الصين، كانت توجد مدينة عظيمة، ولكنها قديمة تنفرد عن سائر الأقاليم، بأن كل ما فيها قديم. وكان أقدم ما في هذه المدينة، جدار الملعونة وأطلال دارها القديمة.
وغبرت السنون والناس يحيون ويموتون وهذه العجوز الملعونة، قائمة مقيمة كأنّها قطعة قديمة من آثار تلك المدينة.
وفي يوم من ذات الأيام، وقع حادث جسام، اهتز له الخاص والعام، فقد زلزلت المدينة زلزالها، وأخرجت أقالها وتصدعت مبانيها وانهار أقدم ما فيها، فكان طبيعياً أن يكون أول ما ينهار هو ذلك الجدار.
ذلك أنه أثناء تصدّع الجدار، وتساقط الأحجار، سقط قضيب من الذهب المدار، يأخذ بريقه بالأبصار! وانتشر الخبر بالمدينة، وقالوا كنز تحت جدار الملعونة!
ونسي الناس كل ما كان، وأقبلوا من كلّ مكان، وأرسل الوزير الجنود والأعوان ليحفظوا الأمن ويمسكوا زمام الأمان، وأسرع هو إلى السلطان .......... القصة.
عبد الله الخريف: أعزّائي القرّاء، كان أعلاه مثال لنوع من الجمال قد نسيناه، أو قد غفلنا عنه، ألا وهو جمال الكلام، فلنتذكر أنّ جمال الكلام، جمال أيضاً!
الحوار من أوّل حلقة من فوازير ألف ليله وليلة بطولة شريهان من التلفزيون المصريّ في رمضان عام 1985.
قد ننسى أنّ الجمال هو غريزة فطرية بشرية، وحبّ الجمال هو من خصائص المخلوق البشري، ليس بشيء ثانوي أو من كماليات الحياة ، إنّه جزء أساسي من عناصر خلق الله عزّ و جل ، يقول الله تعالى في محكم كتابه في سورة غافر الآية ٦٤ (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) . لقد ذكر الله تعالى جمال تصوير الإنسان كأوّل صفة له، ويدلّ ذلك على أهميّة الجمال للحياة، حتى القرآن الكريم في سرده جمال عظيم. يقول الوليد بن المغيرة عن جمال القرآن الكريم ، بوصف هو بحدّ ذاته إبداع في الوصف لإظهار عظمة جمال النص ( والله ان له لحلاوة و ان عليه لطلاوة و ان اعلاه لمثمر وان اسفله لمغدق و انه ليعلو ولا يعلى عليه و ما يقول هذا بشر ) و لم يكن الوليد مسلماً ولكنّه اعترف بجمال العبارة. فمثلاً لو نظرنا إلى الآيات من (١٦ ال ١٩) في سورة (الانشقاق ) ( فلا اقسم بالشفق، و الليل و ما وسق ، و القمر اذا اتسق ، لتركبن طبق عن طبق ) أو الآيات من ( ١٥ الى ١٨ ) في سورة (التكوير ) ( فَلَآ أُقسِمُ بِٱلخُنَّسِ (15) ٱلجَوَارِ ٱلكُنَّسِ (16) وَٱلَّيلِ إِذَا عَسۡعَسَ (17) وَٱلصُّبۡحِ إِذَا تَنَفَّسَ)، فتدخل إلى قلبنا ونستطيع تذوّق جمالها، وحتى اسمها آيات لجمالها وعظمتها. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف، واصفاً قوّة تأثير الكلام الجميل ( ان من البيان لسحرا ، و ان من الشعر لحكمة)، حتى في استخدامنا لكلمة الحديث الشريف، أو القرآن الكريم، أو حتى الكتاب المقدّس، كلّ هذه الأوصاف مهمّة جداً لبيان مكانة النص. تستمرّ النصوص البشريّة أو الإلهيّة مع جمال نطقها و بيانها و بلاغتها، سواء في الأدعية أو الصلوات أو الأمثال أو الحكم أو الترانيم أو الأغاني أو الأهازيج. كذلك الأمر بالنسبة للقصص كما رأينا في ألف ليلة وليلة، تخيّلوا لو لم تكن فيها إضافة (و ليله) أو تخيلوا لو كانت ألف نهار و نهار، لن يكون جمالها كليله ، لأنّ لليل مع الحكايات جمال ساحر.
لقد عرف العرب قوّة لغتهم و كيف يستغلونها ، و تاريخهم في ذلك طويل، و تكاد تكون أجمل قصصهم تعود الى جمال قصها اكثر من جمال القصة نفسها ، فقد استخدموا السجع ، مثل قولهم الحسب و النسب ، او الخدم و الحشم ، في هذه الاربع كلمات بلاغه ايضا استخدمها العرب لإيصال النقطة المرجوة بأقلّ استخدام للكلمات ، و هو ما يسمّى بالبلاغة ، و حتى في وصفهم للمعنى استخدموا السجع في ذلك لتزيين المعنى في المثل المشهور (خير الكلام ما قل و دل) و قد اشتهر الملوك و السلاطين في منافستهم لبعضهم بالرسائل القصيرة البليغة و القوية و الادبية في نفس وقت باستخدام جمال الكلام . يذكر أن العزيز بن المعز الفاطمي أرسل رسالة لمحمد بن أبي مروان الأموي الأندلسي يشتمه فيها ويسبه، فلما قرأها هذا الأخير كتب على ظهرها: "أما بعد، قد عرفتنا فهجوتنا ولو عرفناك لأجبناك. والسلام" وأعادها له. فلما وصلت الرسالة للمعز غضب وندم وقال: يا ليتني لم أشتمه، فقد شتمت نفسي!"
و قد فالت العرب: إذا نزلت في أرضهم فأرضهم، وإذا نزلت في حيهم فحيهم، وإذا نزلت في دارهم فدارهم. يقصدون بالإرضاء أن تنزل المكان الذي يحبّون، ويقصدون فحيّهم أن تلقي لهم التحية، ويقصدون بالمداراة أي أن تراعي لهم ولحرمهم وألا تكون ثقيلاً عليهم. و كما قالوا أيضاً لكلّ مقام مقال، و من هذا المقام أحببت أن أذكر للقراء أنّ للجمال معاني أكبر من الشكل، و قد نسينا مع تطوّر حياتنا العصريّة و سرعة الردود أن نجعل لجمال الكلام مكان لكي يبقى كلامنا خالداً و خفيفاً ( أو ثقيلاً إذا أردنا ذلك!) و لكن في كلا الحالات جميل، وصدق المثل القائل (الملافظ سعد).
Comments