حفاظاً على وقتكم، سأبدأ هذا المقال بالخلاصة النهائية للوقت. الوقت شيء لا نستطيع السيطرة عليه، وقد فشلت شخصياً كثيراً في محاولة استغلاله بالشكل الأمثل. ولكنّ الفكرة التي أودّ طرحها هي أن استغلال الوقت فكرة من منظور خاطئ، لندع الوقت كما هو ونعيش كما نحن، تعايش وليس صراع سلطة، لأنه دائماً يربح... ولو بعد حين. وتتجسّد هذه الفكرة في مقولة وجدتها في قصة أنستقرام لصديقي الفنّان السعودي معاذ العوفي (نحن نعلم جيداً أننا لن نستطيع أن نضيف وقتاً الى حياتنا، ولكننا يمكن أن نضيف حياة إلى وقتنا).
لقد رضيت أن تكون هذه هي الفكرة الرئيسية للمقال، بحيث أنّها تعطينا حرية الفشل، ومن بعده إضافة الحياة من بعد آخر. لا أعرف من صاحب هذه المقولة، ولا يهم، بالنسبة لي. وأنا أضيّع وقتي على أنستقرام وجدت ضالتي، السؤال هنا، هل كان ذلك أضاعه للوقت؟ حيث إنّني كنت اتفادى البحث عمّا أكتبه عن نظرتي وعلاقتي المضطربة بالوقت، ولكنه حاضر دائماً في عقلنا الباطن، يراقب ويعدّ الأيام حتى تسليم المقال (للعلم أنا في الساعات الأخيرة قبل التسليم)، أم أنّ الالهام يأتي عند حضور العقل للاستلهام .... وذلك بحدّ ذاته يحتاج وقت كافي للراحة، ما هو الحدّ الفاصل بين استغلال الوقت والراحة؟ ما هو التعريف لمعنى الاستغلال؟ هل يجب أن تكون هناك نتائج مادية؟ او الراحة والاستجمام نتيجة مقبولة؟ أم هي ثمن؟ يكمن هذا السؤال أيضاً للهوايات، إن لم تستغلّ مادياً هل هي مضيعة أم استغلال للوقت؟
كتابة هذا المقال والتفكير فيه كان في شهر رمضان المبارك وأيام عيد الفطر المبارك. وهي "أوقات" من السنة تلعب فيها الثانية والدقيقة أكبر دور في الإفطار والإمساك. فيصعب استغلال الوقت فيه، ويختلف الناس كيفية استغلاله؟ خصوصاً في موضوع الطاعات، والعمل.. والأمثلة كثيرة.
المضحك في الموضوع أنّ مفهوم الوقت تغير تماماً بالنسبة لي عندما تعبت قليلاً بعد العيد واضطررت مكرهاً للراحة. اعتقدت حينها أنّ موعد تسليم المقال قد أنتهى وأنّني أرهقت نفسي بالبحث والتوثيق عن أفكار للمقال ولم أسلّمها في اللحظة الأخيرة، في نفس "الوقت" أعطاني ذلك مساحة من الحرية التي أردتها في أيّام العيد قبل بداية العمل. ذهب الهلع والندم ومشاعر الإخفاق والخذلان، وتحوّل إلى مجرّد ذكرى عابرة عن مقال لم يتمّ تسليمه. ولكن كلّ ما يدور حولي يذكّرني به. خطرت في بالي مدرسة أنّ الوقت كفيل بحلّ كلّ شيء ... وكيفية الموازنة بين مبدأ الصبر (الذي بتعريفه يحتاج إلى وقت) ومبدأ الإقدام والمبادرة؟ هل هي متناقضات؟ أيضاً، لولا الوقت لما شعرنا بمشاعر ندم او فشل او حنين ... كلّها متعلّقة بقيود الوقت.
ولسخرية القدر، رأيت مؤخراً في فيديو على يوتيوب إعلان متحف المتروبوليتان في نيويورك، متمثلاً في قسم حفظ وترميم الأزياء القديمة في المتحف، أن الفكرة العامة لهذا الشهر في الحفل الخيري هي ''حديقة الزمان'' ... وهي رواية عن حديقة لديها ازهار تقاوم تقدم الزمان. ولكم الحكم في كلّ ذلك.
Comments